
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة منبرية في موضوع: الحرص على الكسب الحلال
ليوم الجمعة 23 ذي الحجة 1446هـ، الموافق لــ : 20 يونيو 2025م
الحمد لله الذي أنعم على الإنسان خلقا وإيجادا، ورزقه من الطيبات فضلا وإمدادا، وأحل له ما ينفعه أرواحا وأجسادا، نحمده تعالى على نعمه الجُلَّى، ونشكره على عطاياه العظمى، المتواليةِ منه إلينا مِنَّةً ونُعْمَى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، الداعي إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الأخيار، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، أيها الإخوة والأخوات في الإيمان، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:
ما أكل أحد طعاما أفضلَ من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود، عليه السلام، كان يأكل من عمل يده[1].
أيها المؤمنون، أيتها المؤمنات،
يستحضر الناس في ضميرهم بقوة في هذه الأمة مسألة الحلال والحرام على أنها مسألة جليلة هي بشروط العمل بالإيمان ومراعاة ما يقتضيه حسن التدين ، ولكن الذي يتعين علينا في هذه الخطبة وفي سائر مناسبات التبليغ هو أن مسألة الحلال والحرام حاضرة في كل وقت من وقتنا لأنها تتعلق بالاستحقاق استحقاق الأجر بالنسبة للمأجورين وكل من يؤدي الخدمات واستحقاق الربح بالنسبة لكل من يقوم بأي نوع من أنواع التجارات، فالأجرُ الحلالُ هو ما يناله المأجور بالعمل المخلص والربحُ الحلالُ هو ما يكسبه التاجر الذي لا غش في تجارته ولا مبالغة في أثمانه.
إخوة الإيمان، لقد أنعم الله تعالى علينا بنعمه الظاهرة والباطنة، وأودع فيها من المنافع ما يقيم حياتنا ويعطيها الدوام والاستمرار إلى حين، وحرم علينا ما يُضر بنا كيف ما كان نوعه وشكله، وأرسل إلينا رسولا يُحل لنا الطيبات ويُحرِّم علينا الخبائث، فعُلِم من ذلك أن ما نهينا عنه من الحرام سببه الخبث والإضرار، وما أُحِل لنا وهو الغالب الكثير، هو ما فيه نفع وفائدة، ويعود على الإنسان بالصحة والعافية والطمأنينة وراحة البال.
وربط الحق سبحانه ذلك بالكسب والسعي من أجل الحصول على ما تقوم به حياة الناس، وهو الكسب الحلال، وتجنب كل ما يضر بالإنسان في دينه وصحته، وهو الكسب الحرام، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:
إن الله طيب، لا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر عباده المؤمنين بما أمر به المرسلين، فقال:
يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ اَ۬لطَّيِّبَٰتِ وَاعْمَلُواْ صَٰلِحاًۖ[2]،
وقال سبحانه:
يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَٰتِ مَا رَزَقْنَٰكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلهِ إِن كُنتُمُۥٓ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَۖ[3]
ثم ذكر:
–الرجل يطيل السفر
يعني في الطاعة كالحج والعمرة
أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء يا رب يا رب، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذِي بالحرام، فأنى يستجاب له –[4].
فبين الرسول ﷺ في هذا الحديث أن الله تعالى أمر المؤمنين بأكل الحلال الطيب، وتجنب الحرام الخبيث، حتى يستجيب الله دعوتهم، وهم شركاء في هذا الأمر مع خير خلق الله وهم الأنبياء والمرسلون عليهم السلام.
ومما ينبغي التنبيه عليه، عباد الله، فيما تتوخاه خطة تسديد التبليغ من آثار الإيمان في الممارسات اليومية، أن يخلص المسلم في عمله المأجور عليه، وأن لا يغش فيه؛ إذ العمل الموكل إلى العامل كيفما كانت طبيعته أمانة بين يديه، لقول الله تعالى:
إِنَّ خَيْرَ مَنِ اِ۪سْتَٰجَرْتَ اَ۬لْقَوِيُّ اُ۬لَامِينُۖ[5]
فالعامل يجب أن يكون قويا قادرا على أداء العمل بإتقان على أحسن وجه وأتمه، ويجب أن يكون أمينا عليه غير غاش فيه؛ وهو مسؤول عليه بين يدي الله تعالى. وكل مال أخذه المسلم من غير استحقاق بسبب الغش أو عدم الوفاء لرب العمل أيا كان فهو حرام، لا يجوز له الانتفاع به بحال، كما لا يجوز لأحد أن يأكل حق العامل الذي استحقه بعرق جبينه وكد يمينه؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:
لا ضرر ولا ضرار[6]
وللكسب الحلال، إخوة الإيمان، فوائد جليلة وآثار عظيمة على النفس من الطمأنينة واستجابة الدعوة والمحافظة على الصحة وسلامة المجتمع من الأحقاد وغيرها من الآثار الإيجابية على الفرد والمجتمع.
عباد الله، إذا خرج أحدنا في الصباح إلى العمل فليعقد نيته على أن يكسب قوته الحلال بإخلاص وإذا عاد في المساء حاسب نفسه هل حرص على الكسب الحلال في شغله أو تجارته.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، وفي حديث سيد الأولين والآخرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عباد الله، إن مما ينبغي التنبيه عليه والتواصي به وجوبَ المحافظة على الغابات التي أنعم الله تعالى بها على العباد، باعتبارها الرئة التي تتنفس من خلالها الكائناتُ الحيةُ وغيرها، وباعتبارها منة من منن الله تعالى على الإنسان، كما قال الحق سبحانه:
ءَآنتُمُۥٓ أَشَدُّ خَلْقاً اَمِ اِ۬لسَّمَآءُۖ بَنَيٰهَا رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّيٰهَا وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَيٰهَاۖ وَالَارْضَ بَعْدَ ذَٰلِكَ دَحَيٰهَآ أَخْرَجَ مِنْهَا مَآءَهَا وَمَرْعَيٰهَا وَالْجِبَالَ أَرْسَيٰهَا مَتَٰعاٗ لَّكُمْ وَلِأَنْعَٰمِكُمْۖ[7]
اَ۬لذِے جَعَلَ لَكُمُ اُ۬لَارْضَ مِهَٰداٗ وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاٗ وَأَنزَلَ مِنَ اَ۬لسَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخْرَجْنَا بِهِۦٓ أَزْوَٰجاٗ مِّن نَّبَاتٖ شَتّ۪يٰۖ كُلُواْ وَارْعَوَاْ اَنْعَٰمَكُمُۥٓۖ إِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِے اِ۬لنُّه۪يٰۖ[8].
وتكررت المنة بالأشجار والغابات في القرآن والسنة كثيرا للفت الانتباه إلى أهميتها وعدم التهاون والتفريط في التعامل معها، وقد نهى الشارع عن قطع الأشجار وحرقها إلا على قدر الحاجة حفاظا على البيئة باعتبارها المحضن الذي يحتضن الإنسان خاصة، والكائنات الحية عامة. يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
»لا تقطعوا الشجر فإنه عصمة للمواشي في الجدب[9]
انطلاقا من هذه المعاني القرآنية والنبوية، وإسهاما في الحملة التحسيسية التي تقوم بها الجهات المختصة في قطاع المياه والغابات، خصوصا ونحن على أبواب الصيف الذي تكثر فيه الحرائق، فإن المؤسسة العلمية تهيب بكافة المواطنين والمواطنات، أن يكونوا على حذر مما يلي:
- ارتكاب أسباب الحرائق والتسبب فيها على سبيل الإهمال أو التهاون أو العمد.
- عواقب الحرائق الوخيمة على البيئة وممتلكات الناس، والكائنات الحية.
- الغفلة أو الفتور عن نشر التوعية بين أفراد المجتمع، والتواصي بذلك، حتى يسهم كل فرد من موقعه، كأب وأم أو أستاذ ومعلم، أو ناصح مخلص في نصحه.
- سلوك الإنسان غير الرشيد الذي يتسبب غالبا في الحرائق والتهام الغابات الكثيرة بسبب اللامبالاة، عند طرح أشياء قابلة للاشتعال، أو إقامة موقد نار في نزهة صيفية، أو غير ذلك من الأسباب المعروفة.
والله تعالى نسأل أن يرشدنا إلى ما فيه الخير للبلاد والعباد، وأن يجعلنا متناصحين فيما يعود علينا جميعا بالخير والبركات.
هذا، وأكثروا من الصلاة والسلام على الهادي الأمين والسراج المنير سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
اللهم صل وسلم على سيدنا محمد صلاة ترضيك وترضيه، وترضى بها عنا يا رب العالمين، مشفوعة بسلام عليه في الأولين والآخرين.
وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، ساداتنا الحنفاء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي العشرة المبشرين بالجنة، وكافة الصحابة أجمعين خصوصا منهم الأنصار والمهاجرين، وعنا معهم برحمتك يا رحمان يا رحيم.
وانصر اللهم من قلدته أمر عبادك مولانا أمير المؤمنين، جلالة الملك محمدا السادس، نصرا تعز به الدين وترفع به راية الإسلام والمسلمين، واحفظه اللهم في كنفك الذي لا يضام، واحرسه بعينك التي لا تنام، بما حفظت به السبع المثانيَ والقرآن العظيم، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزر جلالته بشقيقه السعيد صاحب السمو الملكي الأمير مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة إنك سميع مجيب.
وارحم اللهم الملكين الجليلين مولانا محمدا الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما في أعلى عليين، مع النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، وبطاعتك عن معصيتك، وبفضلك عمن سواك، اللهم اقض حوائجنا في الأمور كلها، ويسر لنا سبل الرزق الحلال، وأغلق في وجوهنا أبواب محارمك، وزهدنا فيما يغضبك، واشغَلنا بما يرضيك، فإنك أنت الغني ونحن الفقراء، تعطي بلا مسألة، وتعفو عند الزلة، وتقبل التوبة من عبدك إذا هو تاب، وتفتح له إذا قرع الباب.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
[1] . صحيح البخاري، كتاب البيوع باب كسب الرجل وعمله بيده، 3/57 رقم: 2072. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث 2657.
[2] . المؤمنون 52.
[3] . البقرة 171.
[4] . صحيح مسلم، كتاب الزكاة باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها، 2/703 رقم: 1015. رقم الحديث بالمنصة 1505.
[5] . القصص 26.
[6] . الموطأ، كتاب الأقضية باب القضاء في المرفق، 2/745 رقم: 31. رقم الحديث بالمنصة 5730.
[7] . النازعات 27-33.
[8] . طه 52-53.
[9] . مصنف عبد الرزاق مصنف عبد الرزاق – كتاب المناسك – بَابُ مَا يكْرَهُ مِنْ حِجَارَةِ الْحَرَمِ وَقَطْعِ الْغُصْنِ 5/146.