فتوى في مسألة صلاة بعض الناس في المساجد جلوسا على الكراسي لأعذار بدنية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.

﴿ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا﴾

من المعلوم أن القيام عند تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة من فرائـض الصلاة، إلا إذا كانت هناك عند المصلي مشقـة من أجل مرض بدني يعجز معه عن القيام لها، فحينئذ يجوز له الانتقالُ من القيام استقلالا إلى الاستناد في قيامه إلى حائط طاهر أو سارية أو شجرة، ولا يجوز له الاستناد إلى شيء غير طاهر.

ثم إن لم يستطع أن يصلي قائما مستندا إلى شيء، ينتقل إلى الجلوس فيصلي جالسا على الأرض استقلالا ثم استنادا، ويجوز أن يغير جِلسته بين سجدتيه فيتربع فيها ندبا.

ثم إن عجز عن الجلوس بحالتيه استقلالا أو استنادا وجب أن ينتقل إلى الاضطجاع، وندب أن يضطجع على جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم على ظهره ثم على بطنه، ورأسه إلى القبلة، وإلا بطلت صلاته إن قدر على شرط القبلة.

وأما العاجز عن كل أفعال الصلاة من ركوع وسجود إلا عن القيام فيصلي قائما، ويومئ من قيامه لركوعه وسجوده، ويكون الإيماء لسجوده أخفض من الإيماء لركوعه، وإن قدر على القيام مع الجلوس ـ وهي مسألتنا ـ أتى بالقيام، فإذا ركع الناس جلس هو على كرسيه وأومأ فيه إلى الركوع والسجود على قدر الطاقة، وإن قدر على الركوع وشقَّ عليه السجودُ جلس على كرسيه وأومأ إلى السجود، قال الشيخ خليل: "وهل يومئ بيديه إلى الأرض أو يضعُها على الأرض؟، المختارُ أن يضعهما على ركبتيه".

وإن قدر على جميع أركان الصلاة إلا أنه إن أتى بالسجود لا يقدر على القيام من جديد أتم ركعة بسجدتيها ثم استمر جالسا، لأن السجود أعظم أركان الصلاة، وهناك قول آخر يقول: يظل يصلي قائما، مشيرا إلى الركوع والسجود برأسه، إلا الأخيرة فيركع ويسجد فيها متما صلاته.

ويجب على المصلي أن يعلم القاعدة الفقهية التي أشار إليها الشيخ خليل بقوله: "وإن خف معذور انتقل للأعلى"، أي إن زال عذره، وخف مرضه أثناء الصلاة، انتقل وجوبا للأعلى في كل الأركان، لأن الترتيب في كل ذلك واجب كما سبقت الإشارة إليه، وهي القيام استقلالا ثم استنادا ثم الجلوس كذلك ثم الاضطجاع على الجانب الأيمن ثم الأيسر، ثم ظهر، ثم بطن على الترتيب السابق.

وإن لم يقـدر على شيء من الأركان إلا على نية الصلاة وجبت عليه، وإن قدر على الإيماء بطرْف وجب إحضار نية وقصد للصلاة، وأداها بعقله، وكل ذلك داخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بشيء فأْتوا منه ما استطعتم".*

-----------

*(الحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم ورواية البخاري في كتاب الاعتصام باب الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "دعوني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم سؤالهم، واختلافهم عن أنبيائهم، فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فآتوا منه ما استطعتم". ونقل ابن حجر في فتح الباري عن النووي قوله: هذا من جوامع الكلم وقواعد الإسلام، ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن منها، أو شرط فيأتي بالمقدور، وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ الفاتحة.