فتوى حول كيفية دفن موتى المسلمين من الوجهة الشرعية الإسلامية جوابا عن سؤال من رئيس المجلس الاستشاري للأجانب بمنطقة Bergheim بألمانيا 08 رمضان 1429 هـ موافق 09 شتنبر 2008م
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد
وآله وصحبه أجمعين.
﴿ربنا آتنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشدا﴾
وبعـد، فإن دين الإسلام الحنيف اعتنى بالإنسان وكرمه بالغ التكريم حيا وميتا، وأوجب له حين وفاته حقوقا
على الأحياء من
أهله وأقاربه، أو مجتمعه المسلم
الذي هو فيه، وجعلها فرض كفاية في حقهم.
وتتمثل تلك الحقوق والأحكام الشرعية في تلقينه حالة احتضاره كلمة الشهادة: لا إله إلا الله محمد رسول
الله، وفي القيام
حين خروج روحه بغسله وكفنه
والصلاة عليه، وتشييعه ودفنه في قبره وفق أحكام شرعية وكيفية
مضبوطة في جميع تلك الأمور والأعمال.
فمن الواجب المتعين شرعا غسل الميت وكفنه والصلاة عليه
وتشييعه ودفنـه في قبره، وفق الكيفية الشرعية المقررة.
ومن الواجـب الشرعي أيضا في حق المتوفى الإبقاء عليه في قبره بكيفية مستمرة، واعتبار قبره وقفـا
محبسا عليه دائما،
فلا يجوز نبشه وحفـره بعد ذلك
ولا المساس به بحال، ما بقي فيه أثر لعظامه وشيء من رفاته،
ومهما طالت به الأعوام والسنوات، وصار الجسم رميما، باليا متلاشيا، إلا
في حالات استثنائية خاصة، منصوص عليها في الفقـه المالكي وغيره، كما إذا
اقتضت ذلك مصلحة الميت نفسه، أو اقتضته مصلحة شرعية ذات نفع عام للمجتمع؛
كما وقع ذلك لبعض الصحابة، وفي عهدهم رضي الله عنهم أجمعين.
قال تعالى: ﴿ألم نجعل الأرض كِفَاتًا، أحياء وأمواتا﴾ (أي جعل الله الأرض تجمع الأحياء على ظهرها،
وتضم الأموات وتسترهم
في بطنها، أي في قبورهم فيها).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لمن رآه متَّكئا عل قبر، ناهيا له عن ذلك، ومعتبرا له إذاية
للميت: "لا تؤذ صاحب
القبر" أي بالاتكاء عليه،
وقال: "كَسْر عظم الميت ككسره حيا"، وقال الشيخ خليل في مختصره
الفقهي، الموضح لما به الفتوى في المذهب المالكي: "والقبرُ حُبس لا يُمْشَى عليه ولا يُنبش مادام المتوفى به".
ومن المندوب المستحب في أمر دفن المسلم وضعه على شقه الأيمن، وجعل وجهه مستقبلا للقبلة حسب الإمكان،
وهو الذي عليه العمل في جميع بلاد الإسلام، فهو مستحب وليس
واجبا، ولذلك يغتفر فيه ما
يغتفر ويتسامح فيه من السنن
والمستحبات حين يتعـذر القيام بها.
قال الشيخ ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله في كتابه "متن الرسالة" في الفقه المالكي:
"ويـُجعَل الميتُ في قبره على
- جهـة الاستحباب - على شقـه
الأيـمن إلى القبلة"، (أي إن أمكن ذلك، فإن لم يـمكن لسبب أو
لآخر فكيفما أمكن وتيسـر، لقول الله تعالى: ﴿لا يكلف الله نفسا إلا
وسعها﴾، وقوله سبحانه: ﴿فأينما تولوا فثم وجه الله﴾.
ومن الجائز شرعا في حق الميت بعد التجهيز وقبل الدفن نقله من البلد الذي توفي فيه إلى بلد آخر ليدفن
فيه، كأن ينقل مثلا
من بلد أوروبي إلى وطنه المغرب،
ليدفن فيه قريبا من أهله وعائلتـه، إن أمكن ذلك وتيسر، ولم
تَحُلْ ظروف خاصة دون ذلك.
علما بأن العمال المنخرطين في صندوق الضمان الاجتماعي ببلاد المهجر، يكون لهم الحق في أن يتكفل لهم
الصندوق المذكور
بجميع الإجراءات اللازمة لنقلهم
إلى وطنهم الأصلي وإيصالهم إليه لدفنهم
فيه.
أما بعد الدفن، فلا يجوز شيء من ذلك النبش والنقل، إلا
في حالات خاصة سبق ذكرها وبيانها.
فهذه هي الأحكام الإسلامية الأساسية، المطلوبة تجاه كل مسلم توفاه الله، ذكرا كان أو أنثى، وتقتضي من
الجالية المغربية
بمنطقة Bergheimerft بألمانيا
وغيرها التمسك بها، والعمل على إقناع السلطات المحلية فيها
بأن تلك الأمـور هي من الشعائر الدينية الإسلامية التي يتمسكون بها،
وتعتبر من هويتهم الروحية، ويريدون الحفاظ عليها خارج وطنهم في بلاد
المهجر، كما يحافظون عليها داخل بلدهم الأصلي.
وإن مما يساعد على كل ذلك وعلى حَلِّ إشكالات قضايا دفن موتى المسلمين خارج بلدهم، حوار المجلس
الاستشاري المذكور مع
السلطات المعنية بذلك في بلدها
وبالتي هي أحسن، وإقناعها بضرورة امتلاك الجالية
المسلمة لقطعة أرض تتخذها مقبرة خاصـة بموتاهم، الأمر الذي سيسهل على الجالية تلك الأمور، ويـجعلها تتمكن من القيام بجميع
متطلبات تجهيز الميت ودفنه وفق أحكام الشريعة الإسلامية،
وضوابطها الفقهية المعلومة، وذلك
هو المؤمل والمبتغى لدى جاليتنا
المغربية والجالية المسلمة عامة.
والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل.