جارٍ تحميل التاريخ...

خطبة منبرية في موضوع تكريم المرأة في الإسلام ليوم 7 صفر 1447هـ الموافق لـ 1 غشت 2025م

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

خطبة ليوم الجمعة 7 صفر 1447هـ الموافق لـ 1 غشت 2025م

تكريم المرأة في الإسلام

الحمد لله رب العالمين، نحمده سبحانه وتعالى على التكريم والتفضيل، وهو القائل:

وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِےٓ ءَادَمَ وَحَمَلْنَٰهُمْ فِے اِ۬لْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَٰهُم مِّنَ اَ۬لطَّيِّبَٰتِ وَفَضَّلْنَٰهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٖ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاٗۖ([1]

ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، القائل صلى الله عليه وسلم:

«استوصوا بالنساء خيرا»[2]

صلى الله عليه وسلم صلاة وسلاما تامين دائمين بدوام ملك الله. وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومن تبعهم وسلك نهجهم القويم إلى يوم الدين.

أما بعد؛ معاشر المؤمنين والمؤمنات، فيقول الله تعالى في معرض الامتنان والتذكير بمسؤولية الإنسان:

]يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لنَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الذِے خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٖ وَٰحِدَةٖ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاٗ كَثِيراٗ وَنِسَآءٗۖ وَاتَّقُواْ اُ۬للَّهَ اَ۬لذِے تَسَّآءَلُونَ بِهِۦ وَالَارْحَامَۖ إِنَّ اَ۬للَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباٗۖ([3].

عباد الله؛ لقد كرم الله تعالى المرأة في الإسلام وبين بيانا شافيا في كتابه وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم أنها أخت الرجل في الأحكام، وقرينته في استحقاق الحقوق وتحمل الواجبات، وأنهما أمام خطاب الشرع سواء.

وزادها الله تعالى تكريما خاصا في مظاهر عدة، نذكر منها:

أولا: حمايتها من مظالم الجاهلية التي سلبتها كثيرا من حقوقها، فقد كانت المرأة في الجاهلية تورث كما يورث المتاع، وتحرم من حقها في الإرث والزواج وغير ذلك، فقال الحق سبحانه مدافعا عن حقها في ذلك كله:

 ]يَٰٓأَيُّهَا اَ۬لذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَحِلُّ لَكُمُۥٓ أَن تَرِثُوا اُ۬لنِّسَآءَ كَرْهاٗۖ وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ([4].

قال ابن عباس رضي الله عنه:

كانوا في الجاهلية إذا مات الرجل كان أولياؤه أحق بامرأته؛ إن شاؤوا تزوّجها أحدهم، وإن شاؤوا زوَّجوها من غيرهم، وإن شاؤوا منعوها التزوُّج، فنزلت الآية في ذلك”[5].

والعضل في الآية؛ هو منع المرأة من الزواج من أجل استغلالها والاستحواذ على ثروتها. فحرم الله ذلك وجعل لها نصيبها من الإرث تتصرف فيه كما تشاء، وأعطاها الحق في التملك مثل الرجل سواء بسواء.

وعلى هذا لا يجوز لأحد رجلا كان أو امرأة أن يمنع بنته أو أخته من الزواج طمعا في أجرتها أو ميراثها أو مالها أيا كان مصدره. كما حرم الله تعالى وأْد البنات، أي دفنهن حيات، وعقوق الأمهات، لقول الرسول صلى الله عليه وسلم:

«إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ومنعاً وهات، ووأد البنات، وكره لكم: قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال»[6].

ثانيا: التخفيف عنها، فمما خص الإسلام به المرأة التخفيفُ عنها في أمور كثيرة، منها: تراخيص زمن حيضتها، ولها من الأجر في كل ذلك مثل ما للرجل من غير أن ينقص من أجرها شيئا؛ وذلك إكراما لها من أجل الرسالة التي تتحملها من الحمل والولادة والرضاع وأعباء التربية التي لا يطيقها الرجل بحال.

ثالثا: التنويه بما تتحمله المرأة من المسؤوليات الأسرية والاجتماعية، كما قال الله تعالى:

]وَوَصَّيْنَا اَ۬لِانسَٰنَ بِوَٰلِدَيْهِۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُۥ وَهْناً عَلَىٰ وَهْنٖۖ وَفِصَٰلُهُۥ فِے عَامَيْنِۖ أَنُ اُ۟شْكُرْ لِے وَلِوَٰلِدَيْكَۖ إِلَيَّ اَ۬لْمَصِيرُۖ([7].

فقد وصَّى الحق سبحانه في هذه الآية ببر الوالدين معا، ثم خص الأم بالتذكير بما أصابها من التعب والألم من أجل الحمل والوضع والرضاع، حتى يستشعر الناس حقوقها العظيمة على المجتمع عامة والأسرة خاصة.

رابعا: أن الله تعالى أوجب لها النفقة في حياتها كلها، على أبيها بنتا وعلى زوجها زوجة وعلى أولادها أما وعلى ذوي رحمها وقرابتها ثم على المجتمع، إذا لم يكن لها أحد من هؤلاء، وذلك صونا لكرامتها وحفظا لعرضها من الامتهان.

وهكذا إخوة الإيمان، أكرم الله تعالى المرأة في نصوص كثيرة، وأوجب لها العناية الكافية عملا بما تزخر به الآيات الكريمة والأحاديث النبوية، وما تمثله مواقف كثيرة من السيرة النبوية الشريفة.

نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 الخطبة الثانية

الحمد لله الكريم المنان، المتفضل على عباده بمحض الفضل والإحسان، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى من ولد عدنان، وعلى آله وذريته وصحابته وكل من اتبعه في السر والإعلان.

أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات؛ ومن تكريم الله تعالى للمرأة في الإسلام الاعتراف بجهودها المختلفة في خدمة الدين الإسلامي عبر التاريخ، فقد ذكر سبحانه في القرآن الكريم على سبيل التنويه والثناء: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وحنة امرأة عمران، وأم موسى وغيرَهن، ونوه بإيمانهن وتعلقهن بالله تعالى والعمل بمقتضى شرعه.

كما نوَّه بأمهات المؤمنين ورفع مكانتهن لمنزلتهن من الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال سبحانه:

 ]يَٰنِسَآءَ اَ۬لنَّبِےٓءِ لَسْتُنَّ كَأَحَدٖ مِّنَ اَ۬لنِّسَآءِ انِ اِ۪تَّقَيْتُنَّۖ( [8]

فهذه أم سلمة رضي الله عنها، قالت يا رسول الله، يذكر الرجال بالهجرة والجهاد ولا يذكر النساء؟ فأنزل الله تعالى:

]اِنَّ اَ۬لْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَٰتِ وَالْمُومِنِينَ وَالْمُومِنَٰتِ وَالْقَٰنِتِينَ وَالْقَٰنِتَٰتِ وَالصَّٰدِقِينَ وَالصَّٰدِقَٰتِ([9].

 كما أنزل سبحانه في الموضوع نفسه:

]فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمُۥٓ أَنِّے لَآ أُضِيعُ عَمَلَ عَٰمِلٖ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ اَوُ ا۟نث۪ىٰۖ بَعْضُكُم مِّنۢ بَعْضٖۖ([10].

فبين الحق سبحانه وتعالى أنه لا يضيع أجر من أحسن عملا، وإن كان الخطاب للتذكير في غالب القرآن، فإنه من باب التغليب والاختصار، وليس من باب التمييز والاحتقار.

وهكذا، إخوة الإيمان؛ نصر الإسلام المرأة، ونصرتْ المرأة الإسلام وخَدمته، كما فعلت أم المؤمنين خديجة الطاهرة العفيفة أول من أسلم وآمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، وأم سلمة الراوية، وعائشة الفقيهة، وحفصة الحافظة، وزينب المنفقة في سبيل الله رضي الله عنهن، وكلّ واحدة منهن وما ميزها الله به من خصال البر والإحسان.

وعلى أثرهن سارت النساء المؤمنات في هذا البلد المبارك، فنافسن الرجال في بناء المساجد وحفظ القرآن وإشاعة روح التضامن والتكافل، ونشر العلم والثقافة المسئولة، وكن مدارس للتربية والتنشئة على المكارم والفضائل.

فكان فضلها على المجتمع كبيرا، مما يوجب على الجميع تقدير جهدها وحسن معاملتها والاعتراف بجميل صنيعها، امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم:

 «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائكم»[11].

أيها المؤمنون، ما أكرم المرأة شرع ولا اجتهاد بشري مثلما أكرمها القرآن، وكان سباقا إلى ذلك في عصور كان لا يُعترف للمرأة حتى بانتمائها للإنسانية. أما في عصرنا هذا فقد شكك المغرضون في هذه المكانة محتجين بمعاملات تعامل بها المرأة في بلاد المسلمين، وما هي إلا تصرفات جاهلية لم تُصحح أو سلوكات أنانية من بعض الرجال لا يجوز أن تنسب إلى دين الإسلام، دين المساواة.

ولا بد أن نستحضر أن مسألة الحياء هي مسئولية الرجل ومسئولية المرأة، وقد أمر الله تعالى المؤمنين بغض البصر ثم أمر المؤمنات، وهذه المسئولية تتوقف على تربية الأولاد والبنات برعاية الأسر.

هذا، وأكثروا من الصلاة والسلام على سيد الورى وشفيع الأنام سيدنا محمد، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد، عدد خلقك، ورضى نفسك، وزنة عرشك، ومداد كلماتك، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحب أجمعين. وعن التابعين وتابعيهم في كل وقت وحين.

وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمدا السادس نصرا عزيزا تعز به دينك وأولياءك من عبادك، اللهم أسبغ عليه أردية الصحة والعافية، وابسط عليه ألطافك الخفية، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، مشدود الأزر بصنوه السعيد، الأمير الجليل مولانا رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة.

وتغمد اللهم بواسع رحمتك، وكريم فضلك وجودك، الملكين الجليلين، مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجزهما خير ما جزيت محسنا عن إحسانه.

اللهم أصلح أحوالنا في الأمور كلها، وارزقنا بر أمهاتنا، وحسن تربية بناتنا، وحسن معاشرة أزواجنا، وحسن معاملة أخواتنا، واجعلنا جميعا ممن خافك واتقاك، ويرعى حقوق الآخرين سعيا في رضاك.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

[1] – الإسراء 70.

[2] – صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء 2/1091. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف 5973.

[3] – النساء 1.

[4] – النساء 19.

[5] – تفسير ابن جزي 1/247.

[6] – صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب عقوق الوالدين من الكبائر 8/4. رقم الحديث بالمنصة 2896.

[7] – لقمان 13.

[8] – الأحزاب 32.

[9] – الأحزاب 35.

[10] – آل عمران 195.

[11] – مسند أحمد 16/ 114. رقم الحديث بالمنصة 9513.

شاهد أيضا

تصنيفات

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)