جارٍ تحميل التاريخ...

بث تجريبي

خطبة منبرية في موضوع: «العطاء في سبيل الله أنواعه ومجالاته وفوائده» ليوم 09 ذي الحجة 1446هـ، الموافق لــ : 06 يونيو 2025م

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة منبرية في موضوع:
«العطاء في سبيل الله أنواعه ومجالاته وفوائده»
ليوم الجمعة 09 ذي الحجة 1446هـ، الموافق لــ : 06 يونيو 2025م

الحمد لله الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى، وبدأ الإحسان لعباده قبل أن يسألوه كرما منه وجودا، نحمده تعالى ونشكره، ونستعينه ونستغفره، ونشهد أن لا إله إلا الله الواحد الأحد الفرد الصمد، لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، الذي يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، القائل ﷺ:

»لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق«[1]

صلى الله وسلم عليه، وعلى آله ذوي القربى، وصحابته نجوم الدجى، والتابعين لهم ممن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى.

أما بعد، أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات؛ فإن من أنواع العمل الصالح المرغب فيه في شريعة الإسلام، والوارد بأساليب ووجوه مختلفة في مجالات متعددة العطاءَ في سبيل الله، يقول الله تعالى في محكم التنزيل:  

﴿فَأَمَّا مَنَ اَعْط۪يٰ وَاتَّق۪يٰ وَصَدَّقَ بِالْحُسْن۪يٰ فَسَنُيَسِّرُهُۥ لِلْيُسْر۪يٰۖ﴾[2].

في هذه الآية الكريمة قدَّم الحق سبحانه وتعالى العطاء على التقوى وعلى التصديق بالحسنى لأن العطاء برهان فعلي عليهما وسبب روحي لهما، ولذلك حذف المفعول ليتناول جميع أنواع العطاء المادية والمعنوية، ولكي ينبه سبحانه على أن العطاء يجب أن يكون صفة ملازمة للإنسان المسلم وهو سبيله لليسرى التي هي الجنة وما إليها من النعيم المقيم.

عباد الله، إن المتأمل في كلام الله تعالى يجد العطاء في سبيل الله متعددَ الأوجه، ومختلفَ المجالات، يرد تارة مقرونا بالتوحيد ومرة أخرى بالصلاة والصيام والزكاة ومرة بالحج ومكارم الأخلاق، والقصص القرآني ومآثر الأولين، وغيرها من موضوعات القرآن المختلفة.

فتارة يسوقه القرآن بلفظ الطعام:

﴿اَوِ اِطْعَامٞ فِے يَوْمٖ ذِے مَسْغَبَةٖ يَتِيماٗ ذَا مَقْرَبَةٍ اَوْ مِسْكِيناٗ ذَا مَتْرَبَةٖۖ‚[3] 

ويذكره مرة أخرى بلفظ الإنفاق:

﴿وَمَآ أَنفَقْتُم مِّن شَےْءٖ فَهُوَ يُخْلِفُهُۥۖ[4]

وكذا بلفظ العطاء والإحسان والإيثار والصدقة والبر، وغيرها من الألفاظ التي يقف عليها المتتبع لمعاني العطاء في القرآن.

والعطاء ينقسم إلى قسمين كبيرين هما:

  • العطاء المادي؛ وهو المتبادر إلى الأذهان عند ذكره.
  • والعطاء المعنوي أو اللامادي؛ وهو الذي يغفل عنه كثير من الناس، أو على الأقل يغفلون عن أهميته ودوره في الرقي بالمجتمع.

ولنقتصر على فضل العطاء المادي ووجوه إنفاقه في هذه الخطبة، وفي الخطبة القادمة نتناول العطاء اللامادي بحول الله.

فمما يدل على فضل العطاء أنه صفة من صفات الله تعالى الجليلة، فهو سبحانه المحسن ويحب المحسنين، وهو الجواد الكريم ويحب الكرماء، ويعطي سبحانه قبل السؤال، ويجزل العطاء، ويحب من اتصف بهذه الصفة من عباده لقوله تعالى، مبينا أن من أسباب الفوز والنجاح في الآخرة الوفاء بالنذور والإطعام في سبيل الله:  

 ﴿يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماٗ كَانَ شَرُّهُۥ مُسْتَطِيراٗۖ وَيُطْعِمُونَ اَ۬لطَّعَامَ عَلَيٰ حُبِّهِۦ مِسْكِيناٗ وَيَتِيماٗ وَأَسِيراً اِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اِ۬للَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءٗ وَلَا شُكُوراًۖ[5].

وأما أوجهه فمتعددة ومتنوعة بين الواجب والتطوع، نذكر من الواجب:

النفقة على النفس وعلى الوالدين والزوجة والأولاد، يقول النبي ﷺ:  

«ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضَل شيء فلأهلك، فإن فضَل عن أهلك شيء، فلذي قرابتك، فإن فضَل عن ذي قرابتك شيء، فهكذا وهكذا» يقول: «فبين يديك وعن يمينك وعن شمالك».[6]

ومن الواجب كذلك الزكاة، التي هي حق الفقراء والمساكين في مال الأغنياء، قال الله تعالى:

﴿وَالذِينَ فِےٓ أَمْوَٰلِهِمْ حَقّٞ مَّعْلُومٞ لِّلسَّآئِلِ وَالْمَحْرُومِۖ[7].

ومنه كذلك حقوق الغير المتعلقة بمال المسلم لسبب أو لآخر، وهي نوع من أنواع العطاء وإن كانت مستحقة بالعوض أو الإجارة أو النذر أو غيرهما.

ونذكر من العطاء التطوعي؛ التبرعات المختلفة من صدقة وهبة ووقف ونِحْلة ومنحة وغيرها من أنواع التبرعات المفصلة في كتب الفقه، والمرغب في إسدائها للغير في سبيل الله تعالى وابتغاء مرضاته.

والعطاء، أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات؛ له أثر كبير وفوائد عظيمة وجليلة على الفرد والمجتمع على المنفِق وعلى المنفَق عليه، ومن هذه الفوائد:

أنه ينشر المحبة بين الناس عبر قيم التضامن والمواساة فيما بينهم، ويزكي الأنفس من الشح والبخل وحب الذات، ويحل مشاكل المساكين والمعوزين، ويعيد توزيع الثروة حتى لا تكون دولة بين الأغنياء دون غيرهم، ويسهمُ في التنمية والرقي بالمجتمع؛ وهذا معنى من معاني قول الشيخ أبي العباس السبتي رحمه الله: “الوجود ينفعل بالجود”. والمتأمل في هذه الجملة يدرك أن الإحسان بين الناس وإسهامَ كل فرد بما يحسن قدر ما يستطيع من قليل أو كثير يجعل الوجود منفعلا متناميا، محققا للناس مصالحهم بكل يسر وسهولة.

ألا فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا فضل الله عليكم، واشكروه على نعمه يزدكم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون، والصلاة والسلام على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم واستن بسنتهم إلى يوم الدين.

عباد الله، إن من مناسبات الجود والعطاء هذه الأيامَ المباركات التي تضاعف فيها الحسنات، وتتنزل فيها الرحمات، أيام عيد الأضحى المبارك، أيام أكل وشرب وذكر الله، وهي أيام معدودات، فاعمروها بالذكر والشكر للجواد الكريم سبحانه، الذي غمرتنا عطاياه في الظاهر والباطن، واشغلوا أنفسكم فيها بصلة الأرحام والتصدق على الفقراء والمساكين، وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء.

واعلموا أن النبي ﷺ، ذبح كبشين أقرنين في عيد الأضحى المبارك، واحدا عن نفسه وواحدا عمن لم يضح من أمته، وها هو ولي أمرنا أمير المؤمنين جلالة الملك محمدا السادس، حفظه الله وأعز أمره، سَيستَنُّ بسنة جده المصطفى ﷺ، ويذبح كبشين واحدا عن نفسه وواحدا عن أمته وشعبه، لما تعيشه بلادنا من شح في الماشية بسبب التقلبات المناخية، آخذا بمبدأ التيسير ورفع الحرج عن الأمة في هذه السنة.

نسأل الله تعالى أن يمتع إمامنا بالصحة والعافية، ويعيدَ عليه وعلينا جميعا هذه المناسبة في أحسن الظروف والأحوال.

هذا وصلوا وسلموا على سيدنا محمد، كما أمر ربنا جل وعلا إذ يقول:

 (إن الله وملائكته يصلون على النبيء يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما)  [8]

، فاللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء، سادتنا الحنفاء: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحب أجمعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين يا رب العالمين.

وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمدا السادس، نصرا عزيزا تعز به الدين، وترفع به راية الإسلام والمسلمين، واحفظه اللهم بالسبع المثاني والقرآن العظيم، اللهم أقر عين جلالته بولي عهده المشمول بعنايتك، المحفوظ برعايتك، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، وشد أزره بشقيقه السعيد، صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولانا رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة.

وتغمد اللهم بواسع رحمتك، وعظيم جودك ورضوانك، الملكين الجليلين مولانا محمدا الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجزهما عنا خير ما جزيت محسنا عن إحسانه، فقد أنفقا حياتهما وسخرا راحتهما من أجل راحة شعبهما وأمتهما، اللهم اجعلهما في مقعد صدق عندك.

اللهم ألف بين قلوبنا وأصلح ذات بيننا، واجعلنا هداة مهديين، اللهم ارحمنا وارحم والدينا وسائرَ موتانا وموتى المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، واغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.  

سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

 

[1] . صحيح مسلم كتاب البر والصلة والآداب باب استحباب طلاقة الوجه عند اللقاء، 4/2026 رقم: 2626. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف 4496.

[2] . الليل 5-7.

[3] . البلد 14-16.

[4] . سبأ 39.

[5] . الإنسان 7-9.

[6] . صحيح مسلم كتاب الزكاة باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة 2/692 رقم: 997. رقم الحديث بالمنصة 1482.

[7] . المعارج 24-25.

[8] . الأحزاب 56

شاهد أيضا

تصنيفات

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)