جارٍ تحميل التاريخ...

خطبة منبرية في موضوع “وُجُوبُ الشُّكْرِ عَلَى تَمَامِ النِّعْمَةِ” ليوم 15 جمادى الأولى 1447 موافق 07 نونبر 2025 م

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

خطبة ليوم الجمعة 15 جمادى الأولى 1447هـ الموافق لـ 7 نوفمبر 2025م

«وُجُوبُ الشُّكْرِ عَلَى تَمَامِ النِّعْمَةِ»

الخطبة الأولى

الحمد لله المنعم على عباده بتمام النعم، والشكر له على ما أولى من مزيد الفضل والكرم، نحمده تعالى أن هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، ونشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وناصر عباده المؤمنين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله المصطفى الأمين، المنصور بالإيمان واليقين، والمؤيد بعد الأخذ بالأسباب بالفتح المبين، صلى الله وسلم عليه ما تعاقب الليل والنهار، وعلى آله الطيبين الأبرار، وعلى صحابته من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم واقتفى أثرهم في نصرة الحق وأهله الأحرار.

 أما بعد – معاشر المؤمنين والمؤمنات -؛ فيقول الله تعالى في محكم الآيات:

﴿وَذَكِّرْهُم بِأَييَّٰمِ اِ۬للَّهِ إِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَآيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبّ۪ارٍ شَكُورٍ﴾([1])؛

ففي هذه الآية المباركة توجيه رباني للتذكير بـ(أيام الله)؛ و(أيام الله تعالى) هي: مواطن نعمه وفتحه المبين، وتأييده المتين لعباده الصالحين، وختمت الآية بمدح الصابرين المتحملين للمشاق والمتاعب في البدايات، والشاكرين لله الغانمين ثمار جهودهم في النهايات.

وبما أن العبرة في ﴿أَييَّٰمِ اِ۬للَّهِ﴾ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فإن أيام الله تعالى علينا – معاشر المغاربة – تتوالى، وأعلام النصر والفتح في أجواء السماء تتعالى؛ كيف لا؟ ونحن نعيش في هذه الأيام (ذكرى المسيرة الخضراء المظفرة)، التي يحتفي بها المغاربة في السادس من نونبر كل سنة؛ ذكرى الوحدة والإيمان، والعزم والإحسان؛ وقد شاء الله تعالى أن تتزامن هذه السنة مع مسك ختامها، وثمرة جهود المخلصين لما يزيد عن نصف قرن من الزمان؛ من التضحيات في الميادين والمحافل الدولية المختلفة.

ولذا فمما ينبغي التنويه والإشادة به في هذا المقام، ما أثمرته التضحيات الكبيرة؛ بفضل السياسة الحكيمة والتوجيهات السديدة لمولانا أمير المؤمنين؛ جلالة الملك محمد السادس – أعز الله أمره -، وتدبيرِه الدؤوب لملف الصحراء المغربية، وما تُوجت به هذه الجهود المباركة من الاعتراف الدولي الباهر، الذي يعد بحق نصرة للحق وأهله.

فما بعد الواحد والثلاثين من أكتوبر ليس كما قبله؛ بل هو مرحلة جديدة في إطار عمل جديد، ورحم الله مولانا محمدا الخامس؛ إذ ذكر عند المطالبة بالاستقلال المثل العربي المشهور: «مَا ضَاعَ حَقٌّ وَرَاءَهُ طَالِبٌ»، طال الزمان أم قصر.

وهذا – معاشر المؤمنين – يستوجب منا شكر الله تعالى على نعمه؛ كما قال جل شأنه:

﴿إِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَآيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبّ۪ارٍ شَكُورٍ﴾([2])؛

فبعد صبر طويل، وعمل دبلوماسي جليل، من إمام مخلص لوطنه حكيم في سياسته؛ مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس – أدام الله عزه ونصره، وأعلى شأنه، وخلد في الصالحات ذكره -، يأتي مقام الشكر لهذه النعمة الغالية؛ امتثالا لقول الله تعالى:

﴿لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ﴾([3]).

وشكر النعمة يكون بالقلب؛ وهو دوام الاتصال بالله تعالى والاعترافِ له بالفضل والمنّة، ويكون باللسان؛ من باب التحدث بالنعمة وتثمينها، والاعتراف بالفضل لمن أجراها الله تعالى على يديه؛ لقول الله جل شأنه:

﴿وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ﴾([4]).

وقول النبي صلى الله عليه وسلم:

«لَا يَشْكُرُ اللهَ مَنْ لَّا يَشْكُرُ النَّاسَ»([5]).

ويكون الشكر بالعمل؛ وهو البرهان الصادق والدليل القاطع على أن العبد شاكر لله تعالى؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:

«أَفَلَا أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا»([6])؛

والمراد بالعمل في هذا المقام، التحول من التدبير إلى التغيير، وترسيخ الحق المؤكد في أقاليمنا الجنوبية، وتعميم الفرحة بربوع المملكة، ببزوغ فجر طال انتظاره.

وهذا كله بفضل الله تعالى المبلغ للمقاصد والنيات، ثم بجهود المخلصين لوطنهم؛ وفي مقدمتهم جلالة المغفور له مولانا الحسن الثاني – طيب الله ثراه -، ووارث سره ومنجز وعده مولانا أمير المؤمنين؛ جلالة الملك محمد السادس – حفظه الله وأعز أمره -، وكل المجندين من الشعب المغربي لخدمة هذا الوطن الغالي، الباذلين للغالي والنفيس من أجله؛ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، أثاب الله الجميع بحسن الثواب، وأجزل لهم العطاء يوم الحساب.

نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله الطيبين، وصحابته الأكرمين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

عباد الله؛ إن من أعظم ما نعتز به في هذه المناسبة الجليلة، والنصر السلمي الدبلوماسي المتين، هو ما أكرمنا الله تعالى به من إمارة المؤمنين الموحِّدة للبلاد، والساهرة على مصالح العباد، والمتفانية في المحافَظة على التراث المادي والمعنوي للأمة، والساعية لكسب كل ما هو جديد ومفيد.

مما يوجب علينا جميعا أن نكون أكثر التفافا حول مولانا أمير المؤمنين المنصور بالله؛ جلالة الملك محمد السادس – أعز الله أمره -، ناصرين له في جهوده، مخلصين في ولائنا، وأوفياء لعهدنا، وأشد التحاما بالعرش العلوي المجيد؛ رمز وحدة الصف وتوحيد الكلمة، وأن نشكر الله تعالى على ما خصنا به دون سائر الناس، متواصين فيما بيننا بالحق ونصرته، ومتفاهمين في خدمة الوطن والسهر على خدمته ووحدته.

وفي الختام؛ لا يفوتنا أن نقف في خطاب أمير المؤمنين على خلقين محمديين كريمين؛ أولهما: خلق الصلح والصفح؛ بدعوة كسابقاتها موجهة إلى أبناء أقاليمنا الجنوبية للالتحاق بأرضهم وإخوانهم، والخلق الثاني هو: خلق الأمل في الله؛ في أن يوفق سبحانه أهل بلدان المغرب الكبير لبناء أمة لا تبذر وقتها في التنازع، ولا تفوت عليها فرص الدور المنوط بها على كافة الأصعدة الدولية.

هذا؛ ومسك ختام الكلام، أفضل الصلاة وأزكى السلام، على سيدنا محمد الفاتح لما أغلق، والخاتم لما سبق، ناصر الحق بالحق والهادي إلى صراط الله المستقيم؛ فاللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت وسلمت وباركت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن ساداتنا الخلفاء الراشدين المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحابة أجمعين؛ من الأنصار والمهاجرين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

وانصر اللهم من اخترته لوراثة النبوة، واصطفيته لقيادة الأمة؛ مولانا أمير المؤمنين، صاحب الجلالة الملك محمدا السادس، نصرا تعز به الدين، وتُعلي به شأن الإسلام والمسلمين، اللهم بارك له في الصحة والعافية، واحرسه بألطافك الخفية، وحقق له ما يسعى إليه لإسعاد وطنه وشعبه، وارفع له رايات النصر والتأييد، واحفظه في ولي عهده المحبوب؛ صاحب السمو الملكي، الأمير الجليل مولانا الحسن، وفي صنوه الأمير الجليل مولانا رشيد، وفي باقي أسرته الملكية الشريفة، إنك سميع مجيب، وارحم اللهم بواسع رحمتك وكريم جودك الملكين الجليلين؛ مولانا محمدا الخامس محرر البلاد، ومولانا الحسن الثاني مبدع المسيرة الخضراء، اللهم طيب ثراهما، واجعلهما في أعلى عليين، وأجزل لهما العطاء على ما قدما، وارحم اللهم شهداءنا الأبرار، الذين استرخصوا الغالي والنفيس في سبيل نصرة دينهم ووطنهم وأمتهم.

اللهم أدم علينا نعمتك، وارفع عنا نقمتك، واجعلنا من الشاكرين لفضلك، المقرين لأهل الفضل بالفضل، والمعترفين بالجميل لأهله؛ إذ لا يشكر الله من لا يشكر الناس، كما قال رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم، اللهم ارحمنا وارحم والدينا، وارحم موتانا وموتى المسلمين، واغفر لنا وللمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب.

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون.

وسلام على المرسلين.

والحمد لله رب العالمين.

 

  • ([1]) سورة إبراهيم؛ الآية رقم: 07.
  • ([2]) سورة إبراهيم؛ الآية رقم: 07.
  • ([3]) سورة إبراهيم؛ الآية رقم: 09.
  • ([4]) سورة الضحى؛ الآية رقم: 11.
  • ([5]) سنن أبي داود، كتاب الأدب، باب في شكر المعروف 4/403؛ رقم الحديث بالمنصة 9530.
  • ([6]) صحيح البخاري، أبواب  التهجد،  باب قيام النبي ﷺ 2/50؛ رقم الحديث بالمنصة 4769.

شاهد أيضا

تصنيفات

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)