جارٍ تحميل التاريخ...

خطبة منبرية في موضوع ” تجليات محبة الوطن من خلال الـمسيرة الخضراء الـمظفرة” ليوم 07 جمادى الأولى 1447 موافق 29 أكتوبر 2025 م

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه

خطبة الجمعة ليوم: 08 جمادى الأولى 1447هـ الموافق لـ 31 أكتوبر 2025م،

تحت عنوان:

“تجليات محبة الوطن من خلال الـمسيرة الخضراء الـمظفرة”

الخطبة الأولى

الحمد لله الذي جعل حب الوطن من سننه في خلقه، وأوجب في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم الدفاع عنه والسهر على حمايته، نحمده تعالى حمد الشاكرين، ونشهد أن لا إله إلا الله شهادة العارفين، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله الأمين، صفوة الخلق أجمعين، وخليل رب العالـمين، وعلى آله الطيبين، وصحابته الغر الـميامين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد – معاشر الـمؤمنين والـمؤمنات –؛ فإن من الذكريات الوطنية الغالية، التي تتجلى فيها محبة الوطن والتضحية من أجله (ذكرى الـمسيرة الخضراء الـمظفرة)، التي أبان فيها الـمغاربة جميعا عن حبهم لوطنهم وتفانيهم في خدمته وحراسته؛ حيث ألهم الله تعالى مولانا أمير الـمؤمنين، جلالة الـمغفور له الـملك الحسن الثاني – طيب الله ثراه –، أن ينادي شعبه نداء السلطان الـمخلص لوطنه وشعبه؛ للقيام بالـمسيرة الخضراء، فكانت الاستجابة من الـمواطنين والـمواطنات فوق التوقعات، واستعدادهم للدفاع عن وطنهم بكل التضحيات، فلبى النداء ثلاثمائة وخمسون ألف متطوع ومتطوعة؛ ولحدث الـمسيرة الخضراء مجموعة من التجليات؛ منها:

أولا: حب الوطن؛ فحب الوطن من الإيمان، وفطرة مركوزة في قلوب بني الإنسان، وخصوصا منهم أهل الإيمان، وحملة الرسالة عبر تاريخ الأمم؛ فقد ورد في كتب السيرة والسنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لـما تآمرت عليه قريش لإخراجه من وطنه الذي تربى وترعرع فيه، وقف على مشارف مكة الـمكرمة مخاطبا إياها قائلا:

«مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَدٍ وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ، وَلَوْلَا أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ»([1])؛

ففي هذا الحديث النبوي الشريف، بيان واضح على حب النبي صلى الله عليه وسلم لبلده، وأنه لا يبغي به بديلا، لولا أن قريشا أخرجوه منه.

كما جاء في حديث آخر؛ حيث عبر صلى الله عليه وسلم عن حبه لوطنه الثاني الـمدينة الـمنورة، ودعا لها بالخير والبركة، وحرمها كما حرم سيدنا إبراهيم عليه السلام مكة، وجعلها حرما آمنا؛ فقال صلى الله عليه وسلم:

«اَللَّهُمَّ حَبِّبْ إِلَيْنَا الْـمَدِينَةَ كَحُبِّنَا مَكَّةَ أَوْ أَشَدَّ، وَصَحِّحْهَا وَبَارِكْ لَنَا فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا، وَانْقُلْ حُمَّاهَا فَاجْعَلْهَا بِالْجُحْفَةِ»([2]).

وقال صلى الله عليه وسلم في حديث آخر:

«إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ وَدَعَا لِأَهْلِهَا، وَإِنِّي حَرَّمْتُ الْـمَدِينَةَ كَمَا حَرَّمَ إِبْرَاهِيمُ مَكَّةَ، وَإِنِّي دَعَوْتُ فِي صَاعِهَا وَمُدِّهَا بِمِثْلَيْ مَا دَعَا بِهِ إِبْرَاهِيمُ لِأَهْلِ مَكَّةَ»([3])؛

فقد سأل النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يحبب إليهم الـمدينة، وأن يبارك لهم في أرزاقهم فيها، وأن يصححها أي: أن يزيل عنهم حماها إلى الجحفة، حيث لا تضر أحدا؛ وفيه دليل على استحباب الدعاء للوطن بالبركة وسعة الرزق.

ثانيا: قيمة التضامن؛ حيث استجاب الشعب الـمغربي لنداء الوطن، وانسابت جحافل الـمتطوعين والـمتطوعات من جميع جهات الـمملكة؛ لصلة الرحم مع إخوانهم بالصحراء الـمغربية، وليبرهنوا على تمسكهم بوطنهم من أقصى جنوبه إلى أقصى شماله، ومن شرقه إلى غربه، معتمدين في ذلك على الله تعالى أولا، وعلى ما لهم من إرث طويل الأمد كثير الـمدد عبر التاريخ ثانيا، واستجابة لواجب البيعة الشرعية الـمنوطة بأعناقهم ثالثا، حاملين كتاب الله الحافظ لـمن حفظه؛ فكان هذا التضامن حدثا بارزا في تاريخ الـمغرب، وتاجا مرصعا على رؤوس الـمغاربة بين الشعوب والأمم، وتأكيدا على أن الشعوب الحية هي التي تحمي أوطانها بكل تفان وإخلاص.

ثالثا: النتيجة الباهرة التي تتجلى في سلمية الـمسيرة؛ من حقن الدماء، واستكمال الوحدة الترابية، ونشر السلم والأمان في كل ربوع الوطن، وتوالي الاعترافات من الدول والشعوب بمغربية الصحراء، والتنمية الشاملة لأقاليمنا الصحراوية، على غرار باقي جهات الـمملكة.

وهذا كله بفضل الله تعالى الـمبلغ للمقاصد والنيات، ثم بجهود الـمخلصين لوطنهم، وفي مقدمتهم جلالة الـمغفور له مولانا الحسن الثاني -طيب الله ثراه- ووارث سره ومنجز وعده مولانا أمير الـمؤمنين؛ جلالة الـملك محمد السادس – حفظه الله وأعز أمره -، وكل الـمجندين من الشعب الـمغربي لخدمة هذا الوطن الغالي، الباذلين للغالي والنفيس من أجله؛ فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، أثاب الله الجميع بحسن الثواب، وأجزل لهم العطاء يوم الحساب.

نفعني الله وإياكم بقرآنه الـمبين، وبحديث سيد الأولين والآخرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالـمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله دائم الجود والكرم، ومولي جلائل الآلاء وسحائب النعم، والصلاة والسلام على نبي الرحمة، سيدنا محمد هادي الأمة وكاشف الغمة، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.

عباد الله؛ إن هذه التجليات التي ذكرنا بعضها -ولم يتسع الوقت للحديث عن كل مظاهرها-، تدل على أن هذا الوطن الذي نشأنا فيه ونبتت أجسامنا من تربته، وشربنا من معين مائه، واستنشقنا نسيمه وهواءه النقي، له علينا حقوق لا بد من القيام بها والتضحية من أجلها؛ ومنها:

أولا: الـمحافظة عليه وعلى خيراته، وحماية ثغوره وحدوده؛ والـمحافظة على إرث النبوة فيه؛ من خلال القرآن والسنة الـمحروسين بالثوابت الدينية والوطنية التي أكرمنا الله بها، والـمحافظة على ما خصنا الله به من كون إمارة الـمؤمنين من ذرية الحبيب الـمصطفى صلى الله عليه وسلم؛ مما يوجب الشكر علينا جميعا، فبلادنا -ولله الحمد والـمنة- تعرف مسيرة تنموية بقيادة مولانا أمير الـمؤمنين؛ لذا يجب علينا الإسهام فيها كل من موقعه، والدعاء الصالح لـمولانا أمير الـمؤمنين قائد هذه الـمسيرة، والنصرة للعرش العلوي الـمجيد، الـموحد للبلاد والساهر على أمنها وأمانها وازدهارها.

ثانيا: توحيد الصف وراء ولي أمرنا، وجمع الكلمة على الحق، والتفاني في خدمة الوطن بشتى الطرق والسبل، وأن تكون مصلحة الوطن فوق رؤوسنا جميعا، والـمحافظة على الـمكتسبات، والسعي لتحقيق الـمزيد من الـمنجزات، التي يسعى مولانا أمير الـمؤمنين جاهدا لتحقيقها على الـمستوى الاجتماعي والتعليمي والصحي والاقتصادي والسياسي؛ لتتبوأ الـمملكة الـمغربية والـمغاربة مكانتهم اللائقة بهم بين الشعوب والأمم؛ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول:

«اَلْـمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ؛ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»، ثُمَّ شَبَّكَ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ أَصَابِعِهِ»([4]).

ألا فصلوا وسلموا – عباد الله – على معلم الناس الخير سيدنا محمد؛ فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد، كلما ذكرك وذكره الذاكرون، وغفل عن ذكرك وذكره الغافلون، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين الـمهديين، الـمحافظين على عهده من بعده، والـمبلغين رسالته للناس أجمعين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن آله الطيبين، وصحابته الغر الـميامين، وعن التابعين لهم في الوفاء بالعهود وحفظ الحدود إلى يوم الدين.

وانصر اللهم من اخترته لوراثة النبوة، واصطفيته لقيادة الأمة؛ مولانا أمير الـمؤمنين، صاحب الجلالة الـملك محمدا السادس، نصرا تعز به الدين، وتعلي به شأن الإسلام والـمسلمين، اللهم بارك له في الصحة والعافية، واحرسه بألطافك الخفية، وحقق له ما يسعى إليه لإسعاد وطنه وشعبه، وارفع له رايات النصر والتأييد، واحفظه في ولي عهده الـمحبوب؛ صاحب السمو الـملكي، الأمير الجليل مولانا الحسن، وفي صنوه الأمير الجليل مولاي رشيد، وفي باقي أسرته الـملكية الشريفة، إنك سميع مجيب، وارحم اللهم بواسع رحمتك وكريم جودك، الـملكين الجليلين؛ مولانا محمدا الخامس محرر البلاد، ومولانا الحسن الثاني مبدع الـمسيرة الخضراء، اللهم طيب ثراهما، واجعلهما في أعلى عليين، وأجزل لهما العطاء على ما قدموا، وارحم اللهم شهداءنا الأبرار، الذين استرخصوا الغالي والنفيس في سبيل نصرة دينهم ووطنهم وأمتهم.

اللهم أدم علينا نعمتك، وارفع عنا نقمتك، واجعلنا من الشاكرين لفضلك، الـمقرين لأهل الفضل بالفضل، والـمعترفين بالجميل لأهله؛ إذ لا يشكر الله من لا يشكر الناس، كما قال رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم، اللهم ارحمنا وارحم والدينا، وارحم موتانا وموتى الـمسلمين، واغفر لنا وللمؤمنين والـمؤمنات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم سقيا رحمة لا سقيا عذاب.

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا

سبحان ربك رب العزة عما يصفون

وسلام على الـمرسلين

والحمد لله رب العالـمين.

  • ([1]) سنن الترمذي، أبواب المناقب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باب في فضل مكة 5/723؛ رقمه بمنصة الحديث: 7104.
  • ([2]) الموطأ، كتاب الجامع باب ما جاء في وباء المدينة 2/890؛ رقمه بمنصة الحديث: 5786.
  • ([3]) صحيح مسلم، كتاب الحج، باب فضل المدينة ودعاء النبي صلى الله عليه وسلم فيها بالبركة 2/991؛ رقمه بمنصة الحديث: 2180.
  • ([4]) صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا 8/12؛  رقمه بمنصة الحديث: 4442.

شاهد أيضا

تصنيفات

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)