بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
خطبة ليوم 14جمادى الآخرة 1447 هـ الموافق لـ 5 دجنبر2025م
((التحسيس بمخاطر العنف ضد النساء))
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي خلق الإنسان في أحسن تقويم لبيان قدرته، وجعل منه الزوجين الذكر والأنثى لتنفيذ حكمته، نحمده تعالى على جلائل نعمه وعظيم آلائه، ونشهد أن لا إله إلا الله الواحد الفرد الصمد، الغني عن الصاحبة والولد، ونشهد أن سيدنا محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، صلى الله وسلم عليه صلاة وسلاما تامين بتمام ملكه، وعلى آله الطيبين الأطهار، وعلى صحابته الغر الميامين الأخيار، وعلى التابعين لهم بإحسان في سائر الأفعال والأقوال.
أما بعد؛ معاشر المؤمنين والمؤمنات، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم:
«خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي»[1].
في هذا الحديث النبوي الشريف توجيه صريح من الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الاقتداء به في المعاملة الحسنة مع الأهل؛ ولذا أكد بقوله صلى الله عليه وسلم: “وأنا خيركم لأهلي”، لأنه صلى الله عليه وسلم محل القدوة والأسوة لجميع المؤمنين والمؤمنات.
عباد الله؛ شاءت حكمة الله تعالى أن يجعل المسؤولية مشتركة بين الرجال والنساء في إقامة الحياة في إطار الأسرة والتي تترتب عليها الحياة الطيبة ثم مسئولية التربية والتعليم، والقيام بالشأن الخاص والعام، فجعل لكل واحد منهما وظائف يقوم بها لأداء رسالته في الحياة، وأقام العلاقة بينهما على أساس السكينة والمودة والرحمة، وأمر سبحانه بالمعاشرة الحسنة والاحترام المتبادل في جميع الأحوال مع مراعاة خصوصية كل واحد منهما.
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الخيرية الحقيقية تكمن في المعاشرة الحسنة للأهل، وذلك بحكم الحياة المشتركة الدائمة المقتضية للصبر الجميل، والاعتراف بالفضل، والتغاضي عن الأخطاء والهفوات التي لا يخلو منها إنسان.
ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة؛ فهو الزوج المثالي الكامل الخلق الذي تستمد منه الأسوة والقدوة، وإذا كانت “خطة تسديد التبليغ” تعنى بتحقيق الحياة الطيبة للناس، فقد جاءت الرسالة الملكية السامية تحث الناس على دراسة السيرة والسنة النبوية للاقتداء، فإن من أهم المواطن التي تحتاج للعناية والتأسي، وهي من صلب العمل الصالح الموجب للحياة الطيبة، العلاقةَ الزوجية بصفة خاصة، والعلاقة بين الرجل والمرأة عامة، إذ ينبغي أن تبنى على المكارمة؛ أي استحضار التكريم الإلهي لكل إنسان، ذكرا كان أو أنثى، والتعامل معه على هذا الأساس، وقد أوجب الله تعالى على عباده الرحمة والرفق بعباده، وحرم الظلم والاعتداء عليهم.
ويكفي في التحذير من العنف ضد أي كان، وضد النساء بصفة خاصة، ما جاء في الحديث القدسي:
«يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا»[2].
ففيه بيان خطورة الظلم والاعتداء على الناس، وأن الظلم ليس من صفات الله تعالى، وأنه جل وعلا لا يحب المتصفين به في جميع الأحوال، فلا يجوز للمؤمن أن يكون مصدرا للشر والعنف ضد زوجته لأي سبب من الأسباب، كما لا يجوز للمرأة كذلك أن تمارس على زوجها أي نوع من أنواع العنف أو التعسف بشكل من الأشكال.
ولهذا وردت أحاديث كثيرة توصي بتحري الدين والتقوى في المعاملة والمعاشرة والمصاهرة، وتحذر من أضدادهما، منها قوله صلى الله عليه وسلم:
«إذا خطب إليكم من ترضون دينه وخلقه، فزوجوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض»[3].
والفتنة التي يحذر منها هذا الحديث النبوي الشريف هي؛ ما يصدر ممن لا دين له ولا خلق من التصرفات غير المقبولة، وأخطرها العنف والبخل بكل أنواعه.
وعن الحسن البصري رحمه الله، وقد سأله رجل لمن يزوج ابنته؟ فقال:
“زوِّجها رجلا يتقي الله، فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها”[4].
عباد الله؛ إن أفضل ما يتقرب به العبد إلى الله تعالى بعد الفرائض حسن المعاشرة للناس، وأولى الناس بذلك أهلك الذين تأوي إليهم ويأوون إليك، وتسأل عنهم يوم القيامة ويسألون عنك، فليكن خلقُ الرحمة والرأفة صفة دائمة للمؤمن؛ ليسعد ويسعد غيره، ذكرا كان أو أنثى.
نفعني الله وإياكم بقرآنه المبين وبحديث سيد الأولين والآخرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على نبيه وعبده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
عباد الله؛ إن مفهوم العنف مفهوم عام، يمكن تقسيمه إلى أنواع عديدة، نذكر منها:
- العنف الجسدي كالضرب، ولا يليق بمن في قلبه مثقال ذرة من الإيمان بل ومن الإنسانية، قالت عائشة رضي الله عنها: «وما ضرب النبي صلى الله عليه وسلم امرأة قط ولا خادما ولا غيرهما»[5].
- العنف اللفظي كالسب والشتم والقذف والإهانة، وهذا ليس من أخلاق المؤمن ولا المؤمنة، إذ قال صلى الله عليه وسلم: «سباب المسلم فسوق وقتاله كفر»[6]، أي كفر وجحود لنعم الله عليه.
- العنف التجسسي؛ وهو أخطرها في زمن الهواتف والكاميرات، بحيث يتجسس أحد الزوجين على الآخر في هذه الوسائل، مما يغرس الشك وسوء الظن بينهما، فيمعن كل واحد منهما في كشف سر الآخر، إلى غير ذلك من الأمور الخطيرة المهددة للأسرة كلها، المبنية على الظنون السيئة، والأوهام التي يلقيها الشيطان في قلوب العباد من أجل إفساد العلاقات بينهم.
عباد الله؛ إن الأوْلى بالمؤمن والمؤمنة أن يكون كل منهما سليم الصدر من أمراض القلوب، سليم اللسان من أعراض الناس، سليم اليد من حقوقهم، وخصوصا من يعاشر ويجاور، من أم وزوجة وبنت وأخت وكل أنثى يتعامل معها على أساس الاحترام المتبادل، وتأملوا في ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: «استوصوا بالنساء خيرا»[7].
هذا، وخير ما نختم به الكلام، ونجعله مسك الختام، أفضل الصلاة وأزكى السلام، على النبي الرؤوف الرحيم، الحريص على المؤمنين، سيدنا محمدصلى الله عليه وسلم، فاللهم صل وسلم على عبدك ونبيك وصفيك سيدنا محمد، عدد خلقك ورضى نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك.
وارض اللهم عن ساداتنا الحنفاء الأربعة الخلفاء؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحابة من المهاجرين والأنصار، وعن التابعين وعنا معهم بمحض فضلك وكرمك يا رب العالمين.
وانصر اللهم بنصرك المبين، وتأييدك المتين، من بسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمدا السادس، اللهم احفظه بالسبع المثاني والقرآن العظيم، ومتعه اللهم بتمام الصحة وجميل العافية، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزره بشقيقه السعيد، الأمير الجليل مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة إنك سميع مجيب.
وتغمد اللهم بواسع رحمتك وعظيم جودك الملكين الجليلين، مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، في أعلى عليين.
اللهم ارحمنا وارحم والدينا، وارحم موتانا وموتى المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وعاف مبتلانا ومبتلى المسلمين.
اللهم اسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم اسق عبادك وبهيمتك وانشر رحمتك وأحي بلدك الميت.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
[1] – صحيح ابن حبان، باب استحباب الاقتداء بالمصطفى صلى الله عليه وسلم 9/484. رقم الحديث بمنصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف 9661.
[2] – صحيح مسلم، كتاب البر والصلة والأدب، باب تحريم الظلم 4/1994. رقم الحديث بالمنصة4430.
[3] – سنن الترمذي، أبواب النكاح 3/386. رقم الحديث بالمنصة7237.
[4] – شرح السنة للبغوي 9/11.
[5] – الشفا بتعريف حقوق المصطفى 1/226.
[6] – صحيح البخاري، كتاب الأدب، باب ما ينهى من السباب واللعن 8/15. رقم الحديث بالمنصة 11769.
[7] – صحيح مسلم، كتاب الرضاع، باب الوصية بالنساء 2/1091.






