
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة منبرية في موضوع: « فضل التزام الجماعة والأخذ بثوابتها الجامعة لأمرها»
ليوم الجمعة25 ذي القعدة 1446هـ، الموافق لــ: 23 ماي 2025م
الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ملك يوم الدين، نحمده تعالى ونشكره، ونستغفره ونتوب إليه، ونشهد أن لا إله إلا الله القائل في محكم تنزيله:
]وَمَنْ يُّشَاقِقِ اِ۬لرَّسُولَ مِنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ اُ۬لْهُد۪ىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ اِ۬لْمُومِنِينَ نُوَلِّهِۦ مَا تَوَلّ۪ىٰ وَنُصْلِهِۦ جَهَنَّمَۖ وَسَآءَتْ مَصِيراً[[1].
ونشهد أنّ سيدنا محمدا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، صلى الله وسلم عليه وعلى آله ذوي التقى والسداد، وصحابته ذوي الهدى والرشاد، وعلى التابعين لهم في لزوم الجماعة في جميع الأحوال.
أما بعد؛ أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات، فمما لا يختلف عليه اثنان أن دين الإسلام دين الجماعة، ابتداء من كلمة التوحيد التي توحد الناس، كما قال الحق سبحانه:
]إِنَّ هَٰذِهِۦٓ أُمَّتُكُمُۥٓ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِۖ[[2].
فقد ربط البارئ جل وعلا بين الأمة الواحدة وبين توحيده بالعبادة، كما هو الشأن بالنسبة للصلاة، فهي جماعية بأذانها وإقامتها وإمامتها وصلاتها وجمعتها، وغير ذلك من مظاهر الجماعة فيها. وصيام رمضان عبادة جماعية كذلك، فلا يجوز لأحد أن يصوم قبل الجماعة أو بعدها، بل أمر النبي ﷺ الجماعة بالصيام عند رؤية الهلال والإفطار عند رؤيته، وسن ﷺ سننا جماعية في شهر الصيام من قبيل التراويح وزكاة الفطر والإكثار من نوافل الخير والإنفاق والعطاء وتذكر الفقراء عند الصيام، وأعطى النبي ﷺ أنموذجا وقدوة من نفسه، فــ
“كان أجود الناس بالخير، وكان أجود ما يكون في رمضان”[3].
أما الزكاة فهي اجتماعية محضة، تؤخذ من أغنياء المسلمين وترد على فقرائهم، فتزكي الجميع من الشح والحقد والحسد، وتحلي الجميع بالمحبة والإيثار وحب الغير.
وقُل مثل ذلك في الحج الذي يجمع أكبر عدد ممكن من المسلمين عبر ربوع العالم، ويصوغهم في قالب الإحرام موحِّدين بالتلبية وموحَّدين بالإحرام وسائر المناسك.
كما كان الإسلام دين الجماعة في توصيته بحسن الجوار وحسن المعاملة واللين في أيدي الآخرين، والأخذ والعطاء بالحسنى، والسماحة والتيسير في المعاملة، وإصلاح ذات البين، ومراعاة المحتاجين من الفقراء والمساكين والأرامل والأيتام، مما ينفي عن ديننا الحنيف الكبر والأنانية والأثرة والشح والبخل الذي يعد من أسوإ العيوب، ويقطع مودات القلوب، ومنع الجود سوء ظن بالمعبود -كما يقال- ويحصل البـر بما تيسر من فعل حَسَنٍ، وقول حسن، وطلاقة وجه وإمساك شر، وحُسْن ظن، وذكر جميل.
كل هذه من العطاء والسخاء المطلوب من المسلم باعتباره مسلما متعبدا لله تعالى بكل حركاته وسكناته، ساعيا في إسعاد نفسه وغيره، للوصول إلى الحياة الطيبة في الدنيا، والفوز بالنعيم المقيم في الآخرة.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، وفي حديث سيد الأولين والآخرين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين، الملك الحق المبين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد النبي الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أيها الإخوة والأخوات في الإيمان؛ لقد ظهر جليا مما سبقت الإشارة إليه، أن الإسلام دين الجماعة، وأن الجماعة رحمة، وأن الفُرقة عذاب كما روى النعمان بن بشير عن النبي ﷺ أنه قال:
“الجماعة رحمة والفُرقَة عذاب”[4].
ومعنى كون الجماعة رحمة أنها تقوم على قضاء مصالح العباد، بتبادل المنافع وقضاء الحوائج بين الناس؛ إذ لا يستطيع أحد أن يعيش وحده، ويكتفي بنفسه عن الناس، بل جعل الحق سبحانه من سنن الحياة اختلاف الناس في عقولهم ومداركهم ومِهَنِهم ومواهبهم حتى يتسنى لهم التكامل فيما بينهم وليقضي بعضهم حوائج بعض.
فالنَّاسُ للناسِ مِن بدوٍ ومن حضِرٍ بَعضٌ لبعضٍ وإن لم يَشْعُروا خدمُ
ولهذا جاءت الأوامر من الشارع الحكيم بلزوم الجماعة وإمامها كما قال النبي ﷺ لحذيفة بن اليمان رضي الله عنه:
“تلزم جماعة المسلمين وإمامهم”[5].
فهذا الحديث يحث على وجوب لزوم الجماعة، وطاعة إمام المسلمين الذي هو أمير المؤمنين، وجاء في حديث آخر قوله ﷺ:
“فعليك بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية”[6].
والمراد بالقاصية في الحديث؛ المخالف المفارق للجماعة، والذئب متعدد الأوجه، قد يكون هوى في النفس، وقد يكون الشيطان الموسوس للنفس تجاه الآخرين، وقد يكون شخصا آخر يكن للجماعة عداوة، فيبحث عن أنصار له في الفساد والتخريب والتشويش وإيقاع الناس في الفتنة.
وعلى هذا جاءت أحاديث أخرى تحذر من مغبة الاختلاف وشَقّ عصا الطاعة، كقول النبي ﷺ:
“ولا تختلفوا فإن من كان قبلكم اختلفوا فهلكوا”[7].
وقوله صلى الله عليه وسلم:
“وأنا آمركم بخمس، الله أمرني بهن: السمع والطاعة والجهاد والهجرة والجماعة، فإن من فارق الجماعة قيد شبر، فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يرجع، ومن ادعى دعوى الجاهلية، فإنه من جُثَا[8] جهنم”. فقال رجل: يا رسول الله وإن صلى وصام؟ قال: وإن صلى وصام، فادعوا بدعوى الله الذي سماكم المسلمين المؤمنين عبادَ الله”[9].
على أن هنالك أمرا يجدر بنا أن نختم به هذه النصيحة في لزوم الجماعة وهو أن ما ينبغي الحرص عليه هو الاجتماع على ثوابت الأمة وعلى كل ما في مصالحها العليا، الأمر الذي يجعل الاختلاف في الاجتهاد مع الوحدة في المقاصد أمرا مقبولا بل واجبا.
ألا فاتقوا الله عباد الله، وأكثروا من الصلاة والسلام على النبي الأمين، اللهم صل وسلم على سيدنا محمد عدد خلقك ورضى نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين وعن الصحابة أجمعين، ومن تبعهم وسلك نهجهم إلى يوم الدين.
وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، مولانا أمير المؤمنين جلالة الملك محمدا السادس نصرا عزيزا تعز به أهل طاعتك، وتذل به أهل معصيتك، اللهم أقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، وشد أزر جلالته بشقيقه السعيد الأمير مولاي رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة.
وارحم اللهم الملكين الجليلين مولانا محمدا الخامس ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، واجعلهما في أعلى عليين مع المنعم عليهم من النبيئين والصديقين والشهداء والصالحين.
ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم، اللهم اجمع كلمتنا ووحد صفنا وقِ جماعتنا من الفرقة والاختلاف، واجمعنا على كلمة سواء مع كمال الألفة والوفاق، والتعاون على البر والتقوى، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
[1] . النساء 114.
[2] . الأنبياء 91.
[3] . صحيح البخاري، بدء الوحي، باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله ﷺ، رقم الحديث 6، 1/6، وكتاب الصوم، باب أجود ما كان ﷺ يكون في رمضان، رقم الحديث 1803، 2/672، ورقم الحديث بمنصة محمد السادس 11742.
[4] . مسند الإمام أحمد [زوائد عبد الله بن أحمد] 30/392 رقم: 18450 منصة محمد السادس للحديث النبوي الشريف رقم الحديث: 8865.
[5] . صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، رقم الحديث 3411، 3/1319، رقم الحديث بالمنصة 3133.
[6] . سنن أبي داود، كتاب الصلاة، باب التشديد في ترك الجماعة، رقم الحديث 547، 1/410.
[7] . صحيح البخاري، كتاب الخصومات، باب ما يذكر في الإشخاص والملازمة والخصومة بين المسلم واليهودي، رقم الحديث 2279، 2/849، رقم الحديث بالمنصة 4548.
[8] في بعض الروايات جُثَاء قال ابن عبد البر في التمهيد:”… وذلك كلُّه خطأٌ عندَ أهلِ العلم باللغة، وقد أنكَره أبو عُبَيدة وغيرُه، وقال أبو عبيد: إنما هو من: “جُثِيِّ جَهنَّم”. وهو كما قال أبو عبيد”
[9] . سنن الترمذي، أبواب الأمثال عن رسول الله ﷺ، باب مثل الصلاة والصيام والصدقة، رقم الحديث 2863، 4/544.