جارٍ تحميل التاريخ...

خطبة منبرية في موضوع: «المعاشرة بالمعروف بين الأزواج» ليوم 15 محرم 1447هـ الموافق لـ 11 يوليوز 2025م

بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله وصحبه
 خطبة منبرية في موضوع: المعاشرة بالمعروف بين الأزواج
ليوم الجمعة : 15 محرم 1447هـ الموافق لـ 11 يوليوز 2025م

الحمد لله الذي بنى العلاقة الزوجية على السكينة والمودة والرحمة، وجعل من أسباب استدامتها الإيمان والعدل والمعاشرة الحسنة، نحمده تعالى على نعمه التي لا تحصى، ونشكره على آلائه التي لا تستقصى، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، انفرد بالصمدية والكبرياء أزلا وأبدا، فلم يتخذ من دونه صاحبة ولا ولدا، ونشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله، أكرم الناس ولدا وزوجا وأبا، وأحسنهم خلقا وعِشْرة وأدبا، صلى الله وسلم عليه بما هو أهله، وعلى آله وصحبه ومن سلك نهجه واتبع صراطه المستقيم، وعلى التابعين لهم بإحسان في كل وقت وحين.

أما بعد، أيها الإخوة المؤمنون والأخوات المؤمنات، يقول الله تعالى في محكم تنزيله:

﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِۖ﴾.[1]

في هذه الآية الكريمة يأمر البارئ جل وعلا الأزواج بمعاشرة أزواجهم بالمعروف؛ والمعروف في القرآن الكريم؛ هو ما يستحسن من الأفعال والأقوال، وما أمر الله به من الخير والفضل والإحسان.

وقد وردت كلمة المعروف في حديث القرآن عن الأسرة في أكثر من عشرين موضعا، مما يعطيها أهمية كبرى، وتعتبر المودة والرحمة فيها واجبا شرعيا، يجب الاتصاف به وإشاعته في الحياة الأسرية، من أجل تحقيق السعادة والحياة الطيبة.

فقد وردت كلمة المعروف في الحقوق والواجبات بين الزوجين في قوله تعالى:

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ اُ۬لذِے عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِۖ﴾[2]

فتكون الحقوق والواجبات بينهما وفق الأعراف والتقاليد الصحيحة.

وذكر الحق سبحانه وتعالى المعروف في النفقة والصداق. فقال سبحانه:

﴿وَءَاتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَٰتٍ غَيْرَ مُسَٰفِحَٰتٖ‚﴾[3].

وقوله جل وعلا:

﴿عَلَي اَ۬لْمُوسِعِ قَدْرُهُۥ وَعَلَي اَ۬لْمُقْتِرِ قَدْرُهُۥ مَتَٰعاَۢ بِالْمَعْرُوفِۖ حَقّاً عَلَي اَ۬لْمُحْسِنِينَۖ﴾[4].

حيث أوصى أن النفقة والصداق، يكونان بحسب حال المنفق وألا يكلَّف الإنسان فوق طاقته المادية، تيسيرا للحياة وترشيدا لكلفتها، حرصا على سلامة المعاني الأسرية وقيمها والغايات التي تنشدها.

إن الأمر بالمعروف في الأسرة، أَمْرٌ بالمعاملة الطيبة والاحترام والبر والفضل والتكامل والمحبة والمودة، أَمْرٌ بالتقدير والمعاشرة بالحسنى.

وهذه القيم في الأسرة أساس التماسك والتساكن بين أفرادها، وهي الغاية من وجودها.

كما قال الله تعالى:

﴿وَمِنَ اٰيَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ إِذَآ أَنتُم بَشَرٞ تَنتَشِرُونَۖ (19) وَمِنَ اٰيَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنَ اَنفُسِكُمُۥٓ أَزْوَٰجاٗ لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةٗ وَرَحْمَةًۖ اِنَّ فِے ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّقَوْمٖ يَتَفَكَّرُونَۖ﴾[5].

 عباد الله؛ إن بناء الأسرة على قيم الدين، هو الذي يؤصل أخلاق المودة والمعروف فيها، من خلال الاعتراف بالفضل بين الأزواج وحفظ الأسرار الزوجية، وقول الخير وحفظ اللسان، فإذا كانت وصية الله تعالى للناس بقول الخير،

﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناٗۖ﴾[6].

فهي أوجب في حق الأسرة، وهي أبرز وأجل مظاهر المعروف والتي تظهر في مناداة الزوجين على بعضهما وطلب الحاجة والمحاورة والحديث وخاصة عند الخلاف.

ولقد

“كان رسول الله ﷺ، يقول لأم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، يا عائش”[7]

، وهو ما يدل على حسن المعاشرة من سيد الخلق لأم المؤمنين رضي الله عنها. وقد صح ﷺ أنه قال:

“خَيرُكم خَيرُكم لأهلِه، وأنا خَيرُكم لأهلي.”[8]

عباد الله؛ بعد أداء الحقوق والقيام بالواجبات فإن الكلمة الطيبة تشعر بالرضى في القلوب، وتحدث في النفوس من الصفاء والمودة ما يجعل الأسرة قادرة على الصبر عند المحن، مستشعرة معاني التضحية التي تؤهلها لتعيش الحياة الطيبة.

نفعني الله وإياكم بالقرآن المبين وبحديث سيد الأولين والآخرين وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

الخطبة الثانية

الحمد لله حق حمده، والصلاة والسلام على نبيه وعبده، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.

عباد الله، إن المعاشرة بالمعروف بين الأزواج تعني كل أنواع المكارمة، بدءا بالمحبة والرحمة إلى المشاورة وتبادل الآراء في أمور البيت والأولاد، لقوله سبحانه:

﴿وَاتَمِرُواْ بَيْنَكُم بِمَعْرُوفٖۖ﴾[9].

ومن المعاشرة بالمعروف كذلك، أن يحب كل طرف أقارب الطرف الآخر، فهو أسمى أوجه المعاشرة بالمعروف، ومنه الاستماع إلى هموم الطرف الآخر واحترام مشاعره والرفق به لا سيما في أزماته النفسية، وعدم إلقاء الملامة عليه         إن كان في حالة التعب، وإنما تجب مراعاة ذلك امتثالا لقول الحق سبحانه:

﴿وَلَا تَنسَوُاْ اُ۬لْفَضْلَ بَيْنَكُمُ﴾[10]

وأهم ما يؤهل للمعاشرة بالمعروف الإيمان بالله تعالى؛ إذ هو الركيزة الكبرى التي تنبني عليها العلاقة الزوجية.

ولا يتم ذلك كله إلا بالإنصاف من النفس، والمراد بذلك هنا تبادل الحقوق والواجبات بين الزوجين، لا أن يحرص كل واحد منهما على حقه مع التفريط في واجبه، ولا أن تكون عينه على ما يستحق، وينسى ما هو واجب عليه، فذلك إنكار وجحود. بل يجب أن يكون هم الواجب في قلب أحد الطرفين أكثر من الاهتمام بحقه.

يقول الله تعالى:

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ اُ۬لذِے عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِۖ﴾[11].

وهكذا تكون المعاشرة بالمعروف أصلاً في اجتماع الزوج والزوجة، لتسري في الأسرة كلها، كما سنرى  في الخطبة المقبلة بحول الله.

ألا فاتقوا الله، عباد الله، وأدوا حق الأزواج والزوجات بالمعروف، وأكثروا من الصلاة والتسليم على معلم الناس الخير أكرمِهم لأهله، وأحسنِهم خلقا مع الناس أجمعين، فاللهم صل وسلم على سيدنا محمد، عدد خلقك ورضى نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك. وارض اللهم عن خلفائه الراشدين المهديين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن باقي الصحابة من المهاجرين والأنصار، ومن تبعهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

وانصر اللهم من وليته أمر عبادك، وبسطت يده في أرضك وبلادك، مولانا أمير المؤمنين صاحب الجلالة الملك محمدا السادس نصرا عزيزا تعز به الدين، وترفع به راية الإسلام إلى يوم الدين.

 اللهم بارك له في الصحة والعافية، واحفظه بسر كتابك وألطافك الخفية، وأقر عين جلالته بولي عهده المحبوب صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولانا الحسن، وشد أزره بشقيقه السعيد الأمير الجليل مولانا رشيد، وبباقي أفراد الأسرة الملكية الشريفة إنك سميع مجيب.

وارحم اللهم بواسع رحمتك الملكين الجليلين مولانا محمدا الخامس، ومولانا الحسن الثاني، اللهم طيب ثراهما، وأكرم مثواهما، واجعلهما في مقعد صدق عندك.

اللهم جَمِّلْنا بأحسن الأخلاق، وجَنِّبْنا سيئها، ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين، واجعلنا للمتقين أئمة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين. اللهم ارحمنا وارحم آباءنا وأمهاتنا وسائر موتانا وموتى المسلمين.

ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

[1] . النساء 19.

[2]. البقرة 226.

[3] . النساء 25.

[4] . البقرة 234.

[5] . الروم 20.

[6] . البقرة 82.

[7] . روى البخاري في صحيحه، أن أَبا سَلَمَةَ قال: إِنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا: «‌يَا ‌عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلَامَ فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لَا أَرَى. تُرِيدُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم».

رقم الحديث: 3768، 5/29. رقم الحديث بمنصة محمد السادس : 4225

[8] . رواه الترمذي في سننه أبواب المناقب باب فضل أزواج النبي ﷺ رقم الحديث: 3895، 709/5. رقم الحديث بمنصة محمد السادس : 9661

[9] . الطلاق 6.

[10]  . البقرة 235.

[11] . البقرة 226.

شاهد أيضا

تصنيفات

At vero eos et accusamus et iusto odio digni goikussimos ducimus qui to bonfo blanditiis praese. Ntium voluum deleniti atque.

Melbourne, Australia
(Sat - Thursday)
(10am - 05 pm)